تتمتع موريتانيا بساحل طويل يبلغ حوالي 754 كيلومتر مربع، وهو ما يمنحها موقعا استراتيجيا للحصول على أكبر كميات من السمك والمحيطات العالمية، حيث يشكل قطاع الصيد في موريتانيا حالياً حوالي 40٪ من صادرات البلاد الإجمالية.
ويعتبر هذا القطاع أحد أهم المصادر الرئيسية للدخل إذ يساهم بشكل كبير في موازنة خزينة الدولة وفي دعم الاقتصاد المحلي، من خلال توفير العديد من فرص العمل الجيدة للسكان المحليين، كما يساعد في تحسين مستويات حياتهم بالإضافة إلى ذلك.
وطبقا للاتفاقيات التي وقعتها الحكومة الموريتانية يستفيد من المياه الإقليمية الموريتانية عدد من السفن الأجنبية العاملة في المجال من خلال اتفاقيات مباشرة أو عن طريق ممثلين عن هذه السفن.
ومن بين هذه السفن، السفن التركية التي يقول منتسبوا إتحاد ممثليها من الموريتانيين إنها استطاعت توفير أكثر من 2000 فرصة عمل مباشرة، و 3000 فرصة غير مباشرة لليد العاملة الموريتانية في هذا القطاع، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد الموريتاني وامتصاص البطالة وخلق فرص العمل لآلاف الشباب والعاملين في مجال الصيد، خاصة من أبناء الطبقات الهشة.
كما ساهمت السفن التركية من خلال مزاولتها للصيد السطحي في المياه الموريتانية من استفادتها بصورة كبيرة من حصتها من السمك البالغة 1350 طن سنويا، تم استغلال أقل من 50% منها، وبالتالي لا تعتبر ثروة ما لم يتم استغلالها بصورة أكبر، عكس الشائعات التي تفيد باستغلال هذه السفن لها بشكل مفرط، فيما وصلت نسبة استغلال المؤسسات الأخرى لحصتها من الصيد نسبة 100%.
ومع ذلك تدر هذه السفن بإيرادات هامة للخزينة العامة للدولة وللشركة الموريتانية لتصدير الأسماك (SMCP) حيث تمكنت من تحطيم أرقام قياسية في مجال الصيد خلال السنوات الماضية، هذا إذا ما استثنينا الفترة التي تم فيها فرض إجراءات إبعاد السفن عن المنطاق المخصصة للصيد، حيث انخفضت إيرادات الشركة الموريتانية لتصدير الأسماك لحدود النصف تقريبا.
ولعل مما يميز عمل سفن الصيد التركية هو أنها تقوم بتفريغ حمولة السفن 100% على الشاطئ الموريتاني، لتستفيد الدولة من ذلك بنسبة تصل 40% من منتوجها مقسمة بين الخزينة والشركة الموريتانية لتوزيع الأسماك، فيما يستفيد ميناء نواذيبو وبشكل مباشر من إيرادات معتبرة من خلال تحريك السوق بحيث تطال الاستفادة شركات النقل والخدمات الأخرى كالمحروقات والباعة الصغار والمخابز والدكاكين، وحركة الاقتصاد داخل الميناء وخارجه.
إن أغلب العاملين في هذا المجال ممن يتعاملون مع هذه السفن هم من فئة الشباب التي تمثل نقطة الارتكاز في بنية المجتمع الموريتاني ومحرك اقتصاده الأول، ولا شك أن دعم الشباب العامل في هذا المجال هو بالضرورة دعم للدفع بعجلة الاقتصاد الموريتاني نحو الأمام، دون أن ننسى أن السفن العاملة في مجال الصيد السطحي تعمل بنظام صديق للبيئة يضع في حسبانه المخاطر البيئية التي تواجه الكوكب بصورة عامة والمحيطات على وجه الخصوص، عكس سفن صيد الأعماق والتي يشكل الجر الذي تقوم به أخطر مدمر لمناطق الصيد والبيئة البحرية.
وفيما يخص نوعية الأسماك التي تسطادها السفن التركية فإن صيد هذه السفن يقوم على أربع عينات من الأسماك المهاجرة والوافدة من المياه الإقليمية لدول مجاورة في الغالب، وتتواجد في المياه الموريتانية خلال مواسم محددة وهذه العينات هي:
- Sardine
- Makrel
- Chinchards
- Sardinel
مع العلم أن كل من عينات Sardinel و Markrel و Chinchards يتم توجيهها 100% إلى شركات التبريد تطبيقا لقرارت الدولة في هذا الصدد، بالاضافة لفرضها توجيه 30% من سمك السردين (Sardine) إلى شركات التبريد أيضا، وبالتالي تساهم بشكل كبير في استفادة هذه الشركات من المنتوج الخاص بالسفن التركية بصفصة كبيرة جدا مقارنة باستفادة شركات "موكا" من منتوج هذه السفن.
وننوه هنا إلى أنه منذ مجيئ السفن التركية وبدأ مزاولتها لصيد هذه العينات زادت الطاقة الاستيعابية في مدينة نواذيبو من التثليج إلى أربعة أضعاف بالاضافة إلى أنها استجلبت معها استثمارات بملايين الدولارات اسهمت بشكل كبير في تحريك السوق وانتعاش الاقتصاد الموريتاني في مجال الصيد، إلا أنه وعلى الرغمي من هذه الاضافة النوعية للاقتصاد الموريتاني فقد تسبب التضييق على هذه السفن وتحديد مواقع صيد خاصة بها، (غالبا مياه خالية من عينات الأسماك السطحية المستهدفة) إلى هروب العديد من الاسثمارات الأجنبية والوطنية نتيجة هذا التضييق، كما تسبب من جهة أخرى في إفلاس العديد من الشركات ومغادرة أغلب السفن للأراضي الموريتانية.
وبحسب منتسبي اتحاد ممثلي السفن التركية فإن أكبر مشكلة يعانون منها هي القرارات المجحفة المتمثلة في إبعاد السفن إلى مناطق أبعد من تواجد أو مرور الأسماك السطحية، الأمر الذي يهدد هذه السفن بالإفلاس، وتسريح كثير من اليد العاملة من موريتانيين خلقت لهم هذه السفن فرص عمل في ظل الحديث عن نسبة بطالة كبيرة في موريتانيا بلغت حدود 30%.
وبحسب هذا الإتحاد فإن التجارب قد أثبت أن المناطق المحددة لصيد هذه السفن من طرف الوزارة المعنية، لا يمكن أن بمر بها بالمطلق أسماك السطح.
الوجه الآخر لهذا التضييق تمثل في الضغط ومضايقة شركات التبريد التي تقوم بإنتاج السمك وتصديره، حيث اضطرت هذه الشركات أيضا إلى تسريح مئات الشباب إن لم نقل الآلاف من وظائفهم في هذه الظرفية الخاصة، ولا شك أن هذا التضييق يتناقض والتوجه العام للدولة الرامي إلى امتصاص البطالة وخلق فرص عمل للمواطنين الموريتانيين.
وبحسب الأرقام المقدمة من طرف خفر السواحل الموريتاني وميناء نواذيبو والشركة الوطنية لتوزيع الأسماك، فلم يتجاوز منتوج السفن التركية مجتمعة لم تصل حدود 20% هذه السنة نتيجة للتضييق الذي تتعرض له دون غيرها من السفن العاملة في المياه الموريتانية، ما نتج عنه حرمان شركات التبريد من الاستفادة من هذا المنتوج، بالمقابل في دول الجوار كالمغرب مثلا تم اصطياد وتصدير كميات هائلة من سمك Makrel فيما تم حرمان شركات التبريد الموريتانية من الاستفادة من هذه العينة الهامة جدا.
ويرجع اتحاد ممثلي السفن التركية هذه التراجع إلى فشل الاستراتيجية التي نتهجتها الجهات المعنية منذ حوالي عام وهو ما انعكس على حركة الاقتصاد بصورة عامة في نواذيبو، الأمر الذي استدعى من هذا الإتحاد مناشدة الجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها وإنصاف الشباب الذين بذلوا جهودا كبيرة لجلب هذه الاستثمارات الكبيرة وإقناع أصحابها بالاستثمار في موريتانيا لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الموريتاني وخلق فرص لآلاف الشباب الذين بات مستقبلهم بين مطرقة الجريمة وسندان الهجرة، فهل تتلافى الجهات المعنية الأمر قبل فوات الأوان؟
محمد الامين محمد