تأتي أجواء الرئاسيات الحالية مشحونة بالتوقعات وبالتناول القلق للحدث الراهن والتغيير المتوقع، والأمر مفهوم؛ نظرا لأهمية اللحظة الحالية فهي تشهد انعطافة في مسار نظام الانقلاب الذي أغلق القوس الديمقراطي المنبثق عن الحوار الوطني 2005 الذي أسس لمنظومة حكامة مميزة ومحفظة قوانين أشاعت الحريات وكسرت مقص الرقيب.
هذه الانعطافة شغلت كل مهتم بالتحول المؤسسي وجعلت الأنظار متجهة الى الأطراف الفاعلة في الشأن الوطني الصانعة لمشهده.
وقد كان البعض ينتظر من حزب تواصل القيام بالدور المنشود في مخيال الدولة العميقة وجماعة معبد المنافع في السلطة؛ ذلك الدور المنحصر في أن على أهل تواصل أن يشكلوا دائرة قلق وبؤرة صراع وأن يرفعوا لافتة تطرف مصبوغة بالرفض لكل مستساغ من الشأن الوطني ونافع من الأداء السياسي.
في أذهان بعض النخبة يُنتظر من تواصل تصديق فزاعة التطرف والبيع في المزاد الأجنبي وعليهم أن يظلوا تعلة لكل اعتقال ووسيلة لتخويف، ومن ثمّ فقد كان المنتظر منهم إعلان أكثر الأسماء حدة بداخلهم وأشدهم اندفاعا في مجال الرفض أو أكثر المعارضين تطرفا وبعدا عن الواقعية، فإن لم يفعلوا وتاب الله عليهم فإن المنتظر منهم إذاك هو إفراغ ما بحوزتهم من الأصوات لأحد المرشحين بعيدا عن دراسة الساحة ومنطق الحظوظ، الأمر الذي يجعل أصواتهم يائسة محصورة منعزلة لا تتفاعل مع غيرها فتحدث الفرق.
إن تلك هي الخلفية التي عشعشت في أذهان كثيرين في دين الملك يزعجهم أن نوجد خارج الصورة القاتمة التي رسموا ! لذلك خاطبني أحدهم قائلا: لماذا تدعمون واحدا من أصحابنا؟ إن ذلك يضر بصورتكم عند الجمهور!
والحقيقة أن صاحبي ليس حادبا على الصورة النضالية بل هو مشفق من تغير النظرة المتشائمة التي رسمتها أجهزة وعُمل لها عقودا من الزمن.
إن هنالك جهات تريدنا عامل توتير ولا تقبل منا غير ذلك الدور تحت أي ظرف، في الوقت الذي يقول الواقع إننا عكس ذلك؛ فنحن نخطط أبدا كي نكون عامل خير ونماء وموطن اعتدال وشفقة على المجتمع والدولة ونفضل العمل من داخل الأطر الطبيعية للدولة والمجتمع بعيدا عن قلب الطاولة على ثوابتها وأسس إدارتها ومنطق وجودها.
ولذلك لم يكن التفكير داخل تواصل مستبعدا لأي توجه يدعم التوافق على دعم مرشح وطني في الموسم الحالي بغض النظر عن خلفيه السياسية، بل كان الشرط الأساسي هو البرنامج وأفق التغيير المنتظر وحجم المكاسب التي سيحصل عليها الوطن من أي قرار وتتيح للحزب الشراكة الفعلية بدون توقيع على بياض .
والآن وقد رست سفينة الاختيار على السيد سيدي محمد ولد ببكر فمن المهم أن نتأمل في الرسائل الموزعة من بريد ذلك القرار إلى جهات مختلفة:
1- أما الرسالة الأولى فإلى الوطن، ومفادها وجود تيار مخلص صبور يتنكر أصحابه للدوافع الذاتية والمصالح الشخصية ويفرغون الجهد في الصالح العام.
2- إلى المناضلين في تواصل، وتقول: إن القيادة فيه تفتأ تذكر جهدكم ومعاناتكم وصبركم الأسطوري على النضال والتحدي، وإن البناء الذي شيدتم تبحث له القيادة بشكل دائب عن السند ومنطقة الأمان والاستيعاب في المجتمع والدولة حتى لا يظل عملا في دائرة الخطر أو سقفا لأساس ضعيف؛ فالمنجز كبير وحمايته عمل المنظرين.
3- إلى الدولة العميقة، أو المخزن، بعبارة إخواننا المغاربة:
إن تواصل يمد يده للواقعية ويبحث عن الانسجام مع كل طرح مصلح منصف، لذلك ساعدوا الوطن وأنفسكم وأبناءكم في تواصل على الإفادة من صفوة خيّرة يخسر الوطن بشيطنتها وتستنزف الأجهزة بملاحقتها ويضيق الفقراء بالتعسف تجاه الحرب المفتوحة عليها.
4- إلى أطر الدولة والعاملين في المسؤوليات العامة: لا تذهبوا بعيدا في الخصومة السياسية لتواصل فهو قد يكون صانع المجد الذي تبحثون عنه، وقليل العداوة يضر وضئيل الاستقامة ينفع، وتواصل حزء من المجتمع وعين من عيونه الرقيبة على الأداء العام.
5- إلى شركاء موريتانيا في الخارج: عليكم أن تدركوا أن تواصل أكثر عمقا من تلك الصورة الشائهة التى يسعى البعض لترسيخها، فهو حزب محافظ ينشد الحرية للجميع ويدفع باتجاه التنمية واستدراك ما فات بلدنا من رقي ومن حق شعوبنا أن تسعد ولن يكون لها ذلك ومقدراتها نهبا لأنظمة فاسدة تتحكم فيها القوى المخالفة في الثوابت والمصالح بل تعالوا الى مصالح سواء بندية واحترام متبادلين.
لقد سألني أحد الدارسين الغربيين يوما ماذا تريدون لموريتانيا بالضبط؟ فأجبته: نريد لها ما تصنع أنجيلا ميركل لألمانيا التي لا يضيرها أن حزبها يتسمى بالميسيحة شعارا. نحن نريد عدالة واستقلالا وتنمية في ظل حفظ الثوابت والخصوصيات الحضارية لمجتمعنا.
تلك حقائقنا وواقعنا وآمالنا لوطننا الغالي والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.