السيد رئيس الجامعة،
السيدات والسادة أعضاء هيئة المحكمين،
الطالبات والطلاب،
أيها المدعوون الأفاضل،
إنني أشعر اليوم بالعرفان بالجميل وبشرف التزامي النضالي وألمي وبجراح عشرات الملايين من المقهورين المغلوبين على أمرهم، في فضاءات أخرى ظلوا فيها أسارى لمجرد قدومهم إلى العالم. كثيرون هم أمثالي ممن يقاسون انكماش كينونتهم لكي لا أقول بترها، تحت قبضة العمل القسري غير اللائق، وازدراء اللون، والدونية العرقية. إن الرق، حتى ولو اختفى كمؤسسة، يواصل، في الزمن الممطط، إنتاج الظلم الركيك والخجل من الذات الذي يحدثه أقل قدر من الوعي بالحط من القيمة منذ المولد. إن أبناء العبيد يتحررون من خلال ذريتهم ويبقون، على الدوام، في عناد من أجل أن يحصدوا، في المحصلة النهائية، بداهة إنسانيتهم. هل ترون أنه من المعقول أن نعاني ونموت فقط من أجل أمر بديهي؟.. ورغم تفاهة الأمر، فإن ثمن "لام تعريفنا" ظل باهظا غير أنه ما من خيار أمانا: نحن نسل المنبوذين. فالحرية تفرض نفسها علينا، ليس كإمكانية لكن كطوق نجاة. إني أدعوكم إلى أن تكتشفوا مجددا معنى هذه الموهبة الإجبارية من خلال الأمثلة المألوفة في الفهم الأوربي لأدب المحرقة ومعسكرات الابادات النازية لليهود وكذالك معسكرات الاعتقالات البولشفية في المناطق الثلجية(الكلاك) . لكن علينا أن نكون منصفين ولا نحرم أنفسنا من سخرية المفارقة. إذا كانت الفكاهة هي اليأس الموطأ الأكناف، فإن الوضوح لا يلغي غنج الصراحة. نعم، إن أسيادنا القدماء لديهم، من جانبهم، ما منه يشتكون. إنهم يولدون ويترعرعون في يقين كامل بأسبقيتهم. وعندما يُحتج عليهم أو يتهمون، يبحثون عن الذرائع لدى مروجي السلالة والدين: شباكين قاتلين عندما يغمرهما الجهل والأحكام المسبقة والكسل. ورثة ملاك أسلافنا وأمهاتنا وآبائنا يناقشون اليوم دونما بصيرة، وينتهي بهم الأمر خائري القوى بعد الاصطدام بموجة لا تقاوم من تعطشنا لحياة أفضل. يمكنكم أن تفهموا ذلك وأنتم الناجون من عديد الثورات والإبادات، أحفاد المستعمرين، فعاجلا أم آجلا لا شك أن أصحاب التسلسل الهرمي، والمتمالئين مع أصحاب التسلسل الهرمي المبني على دونية الآخر، سيجدون أنفسهم حبيسي جدران الاستعداد الانتحاري لتصور التقدم على أنه عدو. نعم، لا شك أن ذراري أولئك الذين أخضعونا للخدمة على مدى قرون يستحقون جرعة من العلاج الاستشفائي، بيد أننا نظل نحن بمثابة المصل(الدواء) الأوحد. فمن يريد الشفاء عليه أن يبتلعنا ومن ثم يبتلع معنا مرارة ما قاسيناه.
من أنا؟ إن مستهل كفاحي، منذ أن كنت في العاشرة من عمري، يعود فضله لوالدي. لقد كان يحثني على مكافحة العبودية الوراثية التي أهلكت أجيالا وأجيالا من أسرته.
هكذا كنت مبرمجا على الوقوف شامخا في وجه كل اضطهاد في بلدي وخارجه مهما كانت الضحية.
معارض طريد، ناشط مسجون، واخز ضمير مهدد بالإعدام، فتاة مزوجة قسرا، مزارع صودرت أراضيه، كلهم يسترعون انتباهي فلا أهرب البتة من إلزامات الواجب.
وفضلا عن مجتمع العبيد الذي أنحدر منه، فإن الكثير من السكان السود الأفارقة الأصليين يعانون في موريتانيا من التمييز والحرمان من جبر الأعطاب بعد أن قاسوا سنوات من التقتيل والتسفير والاستيلاب الثقافي. وحتى الآن ما يزال المسؤولون عن مثل هذه الفظاعات يستفيدون من الحصانة بفعل قانون مصمم على مقاساتهم. وإني لأحيي هنا ذكرى كل المهمومين والمختفين. وأجدد لأقربائهم تصميمي على مواصلة الجهد لإنهاء حالة اللاعقاب. وإن إشادتي لتشمل العدول، المحرضين في الاتجاه المعاكس، المفكرين في التفكيك، القادمين في الغالب من المجموعات المهيمنة، الذين يتعرضون، انطلاقا من ذلك، للنفي والإقصاء. إن تضافر جهودهم يسرّع من ديناميتنا نحو المساواة ويجعلنا نوفر على أنفسنا المزيد من التضحيات. فبفضلهم يصبح النضال السلمي ردة فعلنا الواقعية وليس عملا طوباويا بعيد المرام.
أصدقائي الأعزاء في جامعة ليفن، أتعهد لكم بمواصلة الأعمال الإنسانية النشطة على خطى باروخ اسبينوزاBarush Spinoza، ابريمو ليفيPrimo Levi، مارتين لوثر كينغMatin Luther King، نيلسون مانديلا Nelson Mandela وألكساندر سولجينيتسينAlexandre Soljenistine، مكتفيا هنا بذكر كبار المعلمين. على هذا الدرب الذي يتخلله الظلام الدامس، سأواصل، مع رفاقي، الاستنارة بضوء الإعلان العالمي لحقوق الانسان. فتلك الشمولية تقودنا وتذكرنا ببداهة كوننا ننتمي، كلنا، لنفس النوع.
إن المحافظة على تعدد اللغات والفنون وأنماط التنظيم الاجتماعي تحدو كفاحنا. إننا نتقاسم معكم الإيمان بأن توحيد النظم بالقوة، ونكران وجود الآخر، ومحو المميزات، والنفور من الغير، تعمل على نقص مناعة كل مجتمع في وجه الغلو الذي يعد بمثابة وباء السل في قرننا اليافع. إن عملية شدنا نحو الإمكانية الموسعة للسعادة ورغبتنا في أن يتمتع بها أكبر عدد من الناس، تتم هنا وفي الحال، على الأرض وليس تحتها. فلا يمكننا أن ننتظر موتنا لكي نستحق العدالة. لهذا فإننا نحتاج إليكم، يا إخوتنا في الإنسانية.
وشكرا لكم.
بيرام الداه اعبيد